صناعة المترجمين في مصر .... نقاط القوة والضعف
الترجمة فن ومهنة ورسالة، وصناعة غاية في الأهمية في مجال المعرفة وهي كانت وما زالت أهم حلقات الوصل بين الثقافات واللغات المختلفة، لكنها تتطلب قدرًا من الموهبة مع الدراسة والتمرُّس.
ولعل من أبرز ما يميز ويضفي قوةً على هذه الصناعة في مصر:
- أنَّها تعتبر أكبر سوق في مجال الترجمة في العالم العربي، فمجال العمل متاحٌ من كل مكان حتى المنزل، منه يعمل الكثير من المترجمين بالترجمة الحرة كمترجمين مستقلين للعديد من العملاء والشركات ولصالح مواقع وأسواق أوروبية وعالمية في آن واحدٍ، ومن ثمَّ فالترجمة مصدر دخل وربح لكثير من المترجمين"المتميزين" لا يُستهان به على الإطلاق.
- مصر أكبر بلد عربي يضم كليات ومعاهد حكومية وخاصة ومراكز دولية ومحلية تُدرس لغات وتُعلِّم فن الترجمة، وتنتشر بها العديد من المدارس الخاصة التي تهتم بتعليم اللغات الأجنبية كالإنجليزية والألمانية والفرنسية لطلابها وبمستويات مختلفة لهذه اللغات، ومع انتشار المدارس الحكومية التجريبية، والمدارس الدولية، والمدارس الألمانية والفرنسية، باتت تضم كثيرًا من المترجمين الأكفاء، من بين نظرائهم هم الأفضل؛ نظرًا لقوة مستواهم وتميُّزهم مقارنةً بغيرهم.
ولكن مع الأسف الشديد رغم أهمية تلك الصناعة ودورها الفعّال في نقل الثقافات والأفكار والحضارات من شعب وبلد إلى آخر، تواجه الترجمة فى السنوات الأخيرة في مصر عدة تحديات أبرزها :
- أولاً، عدم وجود سياسةٍ واضحةٍ للدولة تحدّد ماذا يترجم ولمن وفى أي مجال، مما يحتم ضرورة وجود خطة للترجمة تضطلع بها جهة بعينها مثل المركز القومى للترجمة، بحيث تعلن تلك الخطة احتياجات المكتبة العربية فى التخصصات المختلفة وتحدد الكتب المطلوب ترجمتها.
- ثانيًا، تراجع الاهتمام بالترجمة العلمية والترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى والاتجاه دائمًا إلى الترجمة من لغات بعينها، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية، حتى أصبحنا أسرى للنقل من ثقافات معدودة.
- ثالثًا، عدم توفُّر الحس الأدبي للعديد من المترجمين، وعند توفره تكون تكلفة الترجمة باهظة للغاية.
- رابعًا، السوق أصبح متشبعًا بالمترجمين سواء محترفين أو هواة وتندر مواطن إظهار التميز والخبرة للحصول على الفرص الأفضل؛ نظرًا لكثرة المترجمين.
- خامسًا، عدم وجود نقابة لمترجمي مصر حتى يومنا هذا، تجمعهم وتنظم حقوقهم وتقدم الدعم والتدريب اللازمين، وربما كان ذلك أحد المطالب التي يُطالب بها دومًا المترجمون.
ولعل من التهديدات التي تواجه صناعة الترجمة عالميًّا وليس محليًّا فقط، انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي، التي لا ننكر أنها حققت طفرة كبيرة آخذة في التقدم شيئًا فشيئًا بفضل تحسينات العنصر البشري على بعض الترجمات، فيكفي "ترجمة جوجل" البدء بمستوى لا يتخطى الـ 10% ووصوله الآن لأكثر من 50% كنسبة جودة للترجمة، مما ينذر بخطورة اندثار الصناعة رويدًا رويدًا وانحصار دور المترجم على التعديل كلما تقدمت وتعددت ذاكرات الترجمة مثلما أشارت منظمة الأمم المتحدة مؤخرًا لذلك.
ومما لا مجال للشك فيه أن المستقبل الكبير سيظل للمتميزين المحترفين الذين بمقدورهم ترجمة الروايات والأعمال الأدبية المكتوبة باللغة العربية التي ستعجز الآلة أمام تخيل وتصوير الانفعالات والتعبيرات والأخيلة التي تمتاز بها العربية دون غيرها من اللغات، وستظل أيضًا الترجمة الفورية في المؤتمرات الكُبرى هي مجال المتميزين وفقط.
وعلى المترجم الناجح الكثير والكثير من المتابعة والقراءة والاطلاع في مستجدات العصر من أحداث وتعبيرات ومفردات، وتطوير أدائه والحرص على التقدم في المستوى والعمل على صقل موهبته .. نعم موهبته؛ لأنني كما ذكرت فيما سبق في تعريفي للترجمة أنَّها تتطلب قدرًا من الموهبة، التي تُمَكّن المترجم من نقل المعنى بسلاسة وتجعله يحظى دومًا بالتفرُّد والتميُّز.