حجم دور المترجم في النصوص المترجمة
عندما تُذكر كلمة الترجمة، يتبادر إلى ذهن الكثيرين من غير المتخصصين في مجال الترجمة صورة شخص ذي ميزة يتفوق بها على من سواه (المترجم)، شخص يتمتع بملكة وموهبة نادرة إلى حد ما تجعله جسرًا يعبر من خلاله المحتوى المكتوب أو المنطوق في لغةٍ معينةٍ إلى لغةٍ أخرى. وعلى ذلك، فإن المترجم هو وسيلة الترجمة. وغاية الترجمة هي الفهم الصحيح لكلام مكتوب أو منطوق بلغة غير لغة المتلقي.
عند الحديث عن الترجمة بشكل أكثر تخصصًا وتحديدًا، ينبغي وضع تعريف أو تقديم وصف مبسط للترجمة، حتى يسهل على المبتدئين في مجال الترجمة معرفة المهنة التي هم بصدد الاشتغال بها. بعبارةٍ بسيطةٍ، لا تخرج الترجمة عن كونها "مرآة" تعكس بوضوح ودقة المعنى المكتوب أو المنطوق بلغة ما، لكي يرى هذا المعنى المتلقي الذي لا يفهم هذه اللغة. وطالما ذُكرت كلمة "مرآة"، فهذا يتطلب توضيح أن النص المترجم هو شيء تعكس صورته هذه المرآة، أما الشخص الذي يترجم النص، فعليه أن يختفي تمامًا، بمعنى أن يكون مثل "الشبح" الذي يتلاشى وجوده وتتلاشي ذاتيته حتى يبدو النص المترجم وكأنه غير مترجم.
لا يعنى كون المترجم بمثابة "الشبح" إزاء النص الذي يترجمه اختفاء دور المترجم، ولكنه يعني وجود دوره المهني والاحترافي بشكلٍ كامل مع عدم ظهور هذا الدور مطلقًا. فما المترجم إلا ناقل موضوعي للنص، سواء أكان ذلك النص مكتوبًا أم منطوقًا.
يجب أن يكون المترجم واسع الاطلاع وعلى درجةٍ كبيرةٍ من الثقافة في العديد من المجالات، كما أن عليه الاستفادة من كل نصٍ يترجمه، وبصفةٍ خاصةٍ النصوص المكتوبة بشكل جيد، فإذا كانت الترجمة تعتمد بشكل أساسي على الممارسة والخبرة، فإن النص الذي يقوم المترجم بترجمته هو خير معلم له، وعلى المترجم استقاء المعنى من النص قبل وبعد اللجوء إلى القواميس والوسائل المساعدة في الترجمة.
إن الترجمة ببساطة هي مهنة الموضوعية الكاملة واختفاء الذاتية. والمقصود من اختفاء الذاتية عدم ذكر المترجم رأيه أو التلميح به عند الترجمة. ولا يُقصد بالحاجة إلى اختفاء الذاتية أو تلاشي ذات المترجم عند الترجمة أن يقدم المترجم ترجمة غير دقيقةٍ أو عدم بذله الجهد المطلوب منه إزاء الترجمة، ولكن على المترجم أن يكون مثل الجندي المجهول الذي يؤدي مهامًا عظيمة بدون السعي لإبراز ذاته.