المفاهيم الخاطئة الأكثر شيوعًا حول الترجمة
مثل كثيرٍ من المهن والصناعات لا تخلو الترجمة من الكثير من المفاهيم الخاطئة والصور المغلوطة، التي يتصورها كثير من الناس، خاصةً أولئك المقبلون على عالم الترجمة، من حديثي التخرج، أو ممن قرروا أن يسلكوا طريق الترجمة، ظنًا منهم أنها مهنةٌ لا تحتاج إلى كثير جهد أو مثابرة، وأن بإمكانهم بلوغ القمة في القليل من الوقت، لذا نحاول في الأسطر القليلة التالية أن نفند أبرز تلك الصور والمفاهيم الخاطئة، وأن نضيء الطريق أمام الراغبين في بدء حياة مهنية جديدة في صناعة الترجمة.
علم وفن
يعتقد كثير من الوافدين الجدد على صناعة الترجمة أنها ليست علمًا قائمًا بذاته، يمكن أن يُدرَّس وأن يُتعلَّم، وأنه لخوض غمار هذه المهنة، لا يتطلب الأمر سوى معرفة جيدة بلغة أجنبية، وبعض الأدوات المساعدة كالإنترنت وبعض القواميس والمسارد ثنائية اللغة، وهذا من أبرز الأمور الخاطئة التي شاعت مؤخرًا، وجعلت كثيرًا من الناس يقتحمون مجال الترجمة دون دراسة أكاديمية كافية، ودون تعلم متقن لهذا العلم، مما سبب ضعفًا جليًا في سوق الترجمة، سواءً على مستوى العاملين بها، أو على مستوى المهنة ذاتها، وهذا يدفع كثيرًا من أصحاب الأعمال للبحث عن الشهادات الأكاديمية للمترجم قبل البدء في مشروعات الترجمة.
بين المعنى والمغزى
يظن البعض كذلك أن الترجمة في حد ذاتها كمهنة قائمة على القدرة على بناء جملة مشابهة أو مكافئة لتلك التي يقوم المترجم على ترجمتها، تشبهها في معاني الكلمات، ويعتقدون كذلك أن الأمر لا يستلزم سوى قاموسٍ أو أكثر للبحث عن المعنى اللغوي أو الاصطلاحي للفظ المراد ترجمته وحسب، وتناسوا أن الترجمة قائمةٌ على الدراية الكاملة باللغة الأم في المقام الأول، وحسن الأسلوب والصياغة، ومعرفة الجوانب الثقافية معرفة متقنة، ومراعاة ثقافة المتلقي، وبيئة النص الذي وُلد فيه، وعدم الانحراف عن فكر الكاتب الأصلي للنص، ومحاولة إيصال ما يريد الكاتب قوله في الأساس، إضافة إلى الكثير من معايير جودة وسلامة النص المنتج.
التخصص في الترجمة
من المفاهيم الخاطئة أيضًا حول مهنة الترجمة أن يعتقد البعض أن المترجم بإمكانه ترجمة كافة أنواع النصوص المكتوبة باللغة التي يجيدها أو تلك التي درسها، وأنه طالما اشتغل في مهنة الترجمة، فمن المفترض أنه يجيد التعامل مع النصوص جميعها، الأدبية منها والعلمية، المتخصصة منها والعامة، وهذا للأسف أمرٌ يقع بين المترجمين الجدد أنفسهم، حيث يُقبلون على ترجمة ما يُعرض عليهم من نصوص، دون النظر إلى التخصص الذي يجب أن يبرع فيه المترجم، والذي يميل إليه وينبغي عليه أن يتميز فيه عما سواه.
بل لا يسعى كثيرٌ من المترجمين إلى التخصص في مجالٍ واحدٍ، ظنًا منهم أن هذا سيقلل من قاعدة العملاء المستهدفين، وما علموا أن التخصص وحده كفيل بأن يجلب لهم أضعاف العملاء الذين قد يأتوا لهم قبل التخصص، لأن هذا يدفع العملاء أنفسهم للبحث عن مترجم متخصص في المجال المطلوب ترجمته.
وهنا نضرب لذلك مثلًا: هب أنك تريد إجراء عملية جراحية في الكتف مثلًا، هل تبحث عن طبيب عادي أم عن طبيب للعظام؟ بالطبع سوف تبحث عن طبيب للعظام، فماذا إذن لو رشح لك أحد المختصين أستاذًا متخصصًا في جراحة الكتف فقط؟ هل ستثق فيما يقوله طبيب العظام العادي أم فيما يقوله أستاذ جراحة الكتف؟
هكذا الحال تمامًا في دنيا الترجمة، الناس يبحثون عن المتخصصين في كل المجالات، والترجمة ليست بدعًا منها، فهي كبقية المهن لها فروعها وتخصصاتها المختلفة، والتي يجب على المترجم كذلك أن يسعى جاهدًا في أن يتخصص في فرع أو أكثر من فروعها، حتى يتيح لنفسه الفرصة في أن يتميز وأن يبدع.