همزة الوصل والقطع وكيفية التفريق بينهما
من أكثر الأخطاء التي يقع فيها المثقفون والمترجمون هي عدم القدرة على التفريق بين همزة الوصل والقطع، وهذا مما انتشر بشكل يصعب معه السكوت عن ذلك. ومن ذلك كتابة بعضهم بشكلٍ خاطئٍ: "إختبار" أو "إمتحان" أو "إقض عطلة الربيع.. “بوضع همزة أسفل الألف، وكذلك الكتابة بشكل خاطئ: "أطلبوا النسخة الأصلية" بوضع الهمزة أعلى الألف.
والصواب أن تحذف الهمزة، لأن الألف هنا للوصل وليست للقطع، والسبب في ذلك أن كل فعل أمر يصاغ من الثلاثي، لابد أن يكون أوله ساكنًا مثل "قْضِ، طْلبوا"، إلا أن اللغة العربية يتعذر نطق الحرف الأول منها ساكنًا، لذا أضاف العرب لمثل هذه الأفعال، ألفًا زائدة ليست من أصل الكلمة يتوصلون بها إلى نطق ما أوله ساكن، وسمُّوها ألف الوصل أو همزة الوصل.
كيف نفرق بينهما إذن؟
لدينا نوعان من الهمزات في أول الكلمة: همزة قطع وتسمى أيضا همزة الفصل ولها شكلان (أ، و إ)، وهمزة الوصل ولها شكل واحد (ا). هناك قواعد عديدة للتفرقة بين الهمزتين، لكنّ أسهل طريقة هي أن نعتمد على فطرتنا اللغوية التي كثيرا ما تسعفنا.
وإليكم هذه الطريقة السهلة:
أضيفوا واو العطف أو فاء العطف قبل الكلمة فإن سقطت الهمزة من النطق كانت همزة وصل، وإن بقيت كانت همزة قطع. وبالمثال يتَّضح المقال.
كلمة "استثمار"، عند إضافة واو قبلها، سننطقها "وستثمار" وليس "وإستثمار"، وبالتالي تكون الهمزة همزة وصل لأنها سقطت، وهذا السقوط في النطق فقط وليس في الرسم. إذًا، الكلمة تكتب "استثمار" وليس "إستثمار" لأن همزتها همزة وصل لا همزة قطع. وكذلك الأمر مع الفعل "أكل"، فعند إضافة فاء العطف قبله، ننطقه "فأكل" وليس "فكل"، فتكون الهمزة همزة قطع.
حسنٌ، ما رأيكم أن نتعمَّق قليلًا في فلسفة همزة الوصل؟ فقد تسألون، لم لا نكتفي بهمزة القطع وخاصةً وأنَّها تقبل الحركات الثلاث، فما حاجتنا لهمزة الوصل المزعجة هذه؟ كلام جميل ومعقول، لكن هل تذكرون القاعدة اللغويَّة التي تقول أنّ "العرب لا تبتدئ بالساكن ولا تقف على المتحرك"؟ هل تعلمون أنّ بعض الكلمات في اللغة العربية في أصلها تبدأ بساكن؟ ماذا نفعل في هذا الحالة؟ نستعين بهمزة الوصل التي سميت بهذا الاسم لأننا بها نتوّصل إلى النطق بالساكن، أي أنها مخلب قط إذا جاز التعبير! ثم ألم تلاحظوا أنّ جميع الأحرف التي تأتي بعد همزة الوصل أحرف ساكنة؟ مثل، اسْتثمار، واكْتب، وابْدأ، واسْتخراج، والأصول الجوهرية لهذه الكلمات هي: "سْتثمار"، و"كْتب"، و"بْدأ"، و"سْتخرِج"، لكنّ نطقها بهذا الشكل في بداية الكلام مستحيل؛ لأنه يتعارض مع القواعد اللغوية التي بُني عليها نظام اللغة العربية.
هل أزيدكم دهشةً إذا قلت أننا ندرك هذا الأمر بشكل فطري في بعض اللهجات العاميَّة العربيَّة. ألا يقول أهل الشام "سْماع" بدلا من اسمع، و"قْشاع" بدلا من اقشع، و"كْتوب" بدلا من اكتب؟ كل هذه الأفعال تبدأ بحرفٍ ساكنٍ وهو خروجٌ عن القاعدة السليمة، فاضطروا إلى تحويل الحركة في منتصف الكلمة إلى حرف علّة لتتمكن الكلمة من حمل صعوبة وزر البدء بالساكن.
ألم تلاحظوا أيضًا ميل بعض الأطفال حين يتعلَّمون اللغة الإنكليزية إلى نطق كلمة School على أنها "اسكول"؟ لا تنهروا أطفالكم إذا فعلوا ذلك، فهم يُطبِّقون بكل براءة قاعدة لغوية وهي عدم جواز البدء بالساكن لأن السين في الكلمة ساكنة، فأضافوا همزة وصل ليتمكنَّوا من نطق الكلمة. ومن هنا، يكون من الأفضل إضافة همزة الوصل للكلمات الأجنبية المنقولة صوتيًا إلى العربية والتي تبدأ بحرفٍ ساكنٍ مثل: استراتيجية، واستديو، واستاد، وجميعها لا تبدأ بألف في لغتها الأصلية، لكنّ إضافة الألف محبّذة حتى لا نقع في معضلة النطق بالساكن.
ذكرنا في مقال سابق أن أكثر الأخطاء خطورة هي تلك التي تقع في لغة الإعلانات، ومبعث ذلك أنه تقرؤها شريحة واسعة من الناس، حيث تُعرض في الشوارع والأسواق والصحف وعلى شاشات التلفاز وعلى مواقع الانترنت، مما يجعل تأثيرها السئ على اللغة العربية يظهر سريعًا.
ومن هذا القبيل، ما يقع فيه كثير من الناس، حينما يكتبون أسماءهم على مصانعهم أو بضائعهم هكذا "فلان ابن علان" أو "ابن علان".
فالأول خطأ؛ لأنه أبقى على ألف "ابن" على الرغم من وقوعها بين علمين، وموضعها الحذف. والثاني خطأ؛ لأنه حذف ألف "ابن" على الرغم من تصدُّرها وموضعها الذكر. كما أن كثيرًا من المتكلمين يحذفون ألف "ابن" مطلقًا، توسًّطت أو تصدَّرت، وكأنها تكتب ولا تنطق قائلين: "فلان بن فلان" وموضع العجب هنا، أن الذي يجب عليه أن يُحذف أُبقيَ، والذي يجب عليه أن يَبقى حُذف!! مما قد يوقع القارئ في وهم وخطأ، فهناك إعلان مكتوب عليه "بن محفوظ" سيختلف المعنى بضم الباء من "بن" وصحة الأمر أن ألف "ابن" تحذف إذا وقعت بين علمين هكذا "فلان بن علان" مثلًا، وتبقى الألف إذا تصدرت كلمة "ابن" هكذا "ابن فلان" أو وقعت أول السطر.
والخلاصة:
- أن إثبات ألف "ابن" بين العلمين خطأ مثل "فلان ابن فلان" وصحته "فلان بن فلان".
- أن نطقهم لها محذوفة الألف مطلقًا خطأ أيضًا مثل "فلان بن فلان" – بكسر الباء من "ابن" – وصحته: "فلان بن فلان".
- أن حذفهم لألف "ابن" المتصدرة خطأ مثل "بن فلان" وصحته "ابن فلان".
المراجع:
من أوهام المثقفين في أساليب العربية - د/ أحمد محمد عبد الدايم
مَنْ ذَا الذِي قدَّدَ البَيان؟ - تصوير وتعليق حياة الياقوت