مصطلح الترجمة الإبداعية
برز مصطلح الترجمة الإبداعية في الآونة الأخيرة كأحد المصطلحات الجديدة لنمط جديد من أنماط الترجمة، وكأن الترجمة كصناعة تخلو من الإبداع والموهبة وإطلاق العنان للمترجم لإنتاج نص إبداعي يصل إلى عقل القارئ وقلبه، وأصبح الحديث عن أن هناك فارق بين الترجمة التقليدية والترجمة الإبداعية، إذ تُعنى الأخيرة بترجمة الإعلانات وألعاب الفيديو وغيرها من المواد التسويقية والدعائية. وهذا في الحقيقة ظلم بيِّن لمفهوم الترجمة كصناعة ومهنة تُعد من أرقى المهن التي يشرف الإنسان بالعمل بها.
صحيح أن هناك نمط من الترجمة لا يتقيد بالنص الأصلي، وذلك بغرض التسويق لمنتج أو خدمة معينة عابرة للحدود، كترجمة نص من الصينية إلى العربية لشركة ما، تقوم بإطلاق حملاتها التسويقية عبر الإنترنت مثلا، ففي هذه الحالة يتطلب الأمر من المترجم التخلي تمامًا عن الترجمة الحرفية أو حتى التقيد بالنص، وإطلاق العنان لنفسه وخياله، لينتج نصًا تسويقيًا يصل إلى القارئ المستهدف، حسب ثقافته ليضمن وصولًا أسرع للأفكار، لتحقق بذلك الترجمة نفس التأثير الذي أحدثه النص الأصلي في بيئته الأصلية، وأضحت تعرف هذه العملية في وقتنا الحالي بـ "الترجمة الإبداعية"؛ إلا أنه لا ينبغي إغفال الإبداع في صناعة الترجمة، وأنه يجب على المترجم أن يكون مبدعًا.
استثارة عقل القارئ
ليس المراد من المترجم المحترف أن يصير مكبلًا بأوهام الاحترافية والحفاظ على النص الأصلي بدعوى الأمانة المهنية، فلو كان الأمر كذلك لكانت الترجمة الآلية سيدة شيوخ المترجمين، ولصار "جوجل" أفضل مترجم عرفته البشرية، بل صار لزامًا أن يبسط المترجم الشراع لسفينة الإبداع، حتى تنطلق في خضم بحر خياله الواسع، لإنتاج نص يثير عقل القارئ ووجدانه، ويدفعه دفعًا إلى إكمال قراءة النص، بحيث تصل كل مفردة وكل عبارة إليه وتحدث أثرها به، كما تفعل العبارة الأصلية في قارئها، دون تجاهل ولا إخلال بالنص الأصلي، بل ينبغي أن يتم ذلك من خلال عملية إبداعية متكاملة.
إن كل لغة تحمل وراءها ثقافة كاملة، فالترجمة لا تفقد معناها وأصالتها إلا حين تسير مقيدةً وراء النص الأصلي بتراكيبه ومفرداته، وما لهذا جُعلت الترجمة؛ فاللغة هي تعبير عن مكنون النفس البشرية بأفكارها ومشاعرها وما يعتمل في خلجاتها.
إننا حين نتناول الحديث عن الترجمة الإبداعية فلا نغفل قمة الإبداع البشري المتجلي في "الشعر"، فلقد برع الكثير من الشعراء العرب في ترجمة الشعر العالمي، حتى إنهم تفوقوا بذلك على نتاجهم الشعري، وهناك من النقاد من يرى أن بعض الأشعار المترجمة على قلتها، تحمل مفردات وتراكيب أكثر جمالية من النص الأصلي، ويرى البعض أن الشعر لا يُحسن ترجمته إلا شاعر، إذ أنه يكون أكثر قدرة -بسبب الموهبة والملكة الشعرية التي لديه- من غيره على التعبير وتذوق الشعر ليوصل المعنى إلى المتلقي بدرجة عالية من الإبداع، فهو لا يقوم فقط بعملية ترجمة، وإنما يقوم بعملية إبداع أخرى في ضوء النص الشعري، ولعلنا نفرد لذلك مقالًا منفصلا للحديث عن الشعر وترجمته.
الترجمة الحرفية في المواد الدعائية
عندما يتعلق الأمر بالترجمة التسويقية والدعائية لمنتج أو خدمة عابرة للحدود، لا ينبغي مطلقًا في تلك الحالة استخدام الترجمة الحرفية، فضلًا عن أنه لا ينبغي استخدام الترجمة الحرفية أصلًا إلا في نطاق محدد وفي ظروف معينة، وذلك لأن الاعتماد عليها سوف يؤدي إلى إخراج نص جامد بأسلوب ركيك، وغالبًا لن يكون مناسبًا للمتلقي.
إن الترجمة التسويقية والدعائية وترجمة الحملات الإعلانية ينبغي أن تراعي ثقافة المتلقي، وأن تُقدَّم له بلغة تحفيزية، كما في لغته الأم، وليس كما في النص المراد ترجمته، لذلك من الضروري جدًا فهم ثقافة الجمهور المستهدف قبل البدء في ترجمة الحملات الإعلانية، وإلا فإنك تغامر بفقدان عملائك المحتملين.