هل المترجمون خونة حقًا؟
هناك مثلٌ إيطاليٌ شهير يقول: "المترجمون خونة"، ويُقصد بهذا المثل أن المترجم يظل عاجزًا عن الوفاء الدائم للنص الأصلي، بل هو يبحث في مكنون النص وفي ذهن الكاتب، وما يريد أن يوصله للمتلقي، وما الذي يقصده الكاتب من مفردات وعبارات بعينها.
يقول المترجم والشاعر ماجد حيدر: "مالي وما لك أيها القاموس! إن هذه القصيدة قصيدتي وسأكتبها كما أشاء"، ويقول صالح علماني "أعيش الرواية كما لو أنني أكتبها"، ويقول المترجم السوري رامي يونس: "ما يعنيني في المقام الأوَّل حيالَ التَّرجمة إذا ما كان هذا النَّص سينمِّي الدَّهشة لدى القارئ، على حدِّ تعبير بول فاليري، أم لا؛ ولكنّي لا أؤمن بفكرة أنَّ المترجم، هو الذي يختار النَّص، بل أعتقد، وبقوَّة، بأنَّ النَّص هو الذي يختاره". كل هؤلاء المترجمون وغيرهم الكثير يؤكدون تلك النظرية وذلك المثل، بأن المترجم لا ينبغي له أن يظل وفيًا للنص الأصلي، ولكن السؤال الذي نطرحه في تلك المقالة: هل حقًا المترجمون "خونة"؟
في الحقيقة أن الترجمة ليست بحال "خيانة" للنص الأصلي، بل إن نقل النص في كثير من الأحيان كما هو، يؤدي إلى سوء في الفهم، فضلًا عن ركاكة العبارة وسوء الأسلوب، وهذا ما يدفع المترجم إلى إعادة كتابة النص المترجم مجددًا، وهذا ما أورده المترجم السوري المعاصر "خالد الجبيلي" في إحدى مقابلاته، حيث اعتبر أن المترجم يجب أن يكون كاتب ثان للنص، وألا يكتفي بنقل النص وفقط، بل بتقمص عقل الكاتب، حيث يقول:
"يجب أن يكون المترجِم مسلحًا بأدواته الأدبية والفنية، لأن عمله يقوم على إنتاج عملٍ فني يضارع عملَ الكاتب الذي أبدع العملَ الفني، وعليه أن يختار الكلمات والعبارات بدقة شديدة، وأن يواكب الأساليب والمفردات العصرية؛ لكيلا ينفر القارئ من النص الذي يترجمه. إني ألتزم بالنص الأصلي حتى يكاد يطابقه تمامًا، من حيث المضمون، وأتقمّص عقل الكاتب وأحل محله، لأعيد كتابة النص باللغة العربية. وهنا نستطيع القول إن المترجم «كاتب ثان»".
بينما يرى الأديب باولو كويلو أن هذا المثل غير دقيق، ودافع عن المترجمين ووصفهم بـ »الأبطال« و »جنود الثقافة« لأنهم يقتحمون الحدود لنقل المعرفة، خاصةً إذا تحلى المترجم بالحب.. حب هذا الصنف الأدبي الذي تتم ترجمته. وأيضًا الإحساس العالي بالكاتب، فضلاً عن تمتع المترجم بثقافة تتصل بالتاريخ والجغرافية التي تدور فيها أحداث الكتاب.
فلسفة الترجمة
نحب ونفهم ونفكر ونحرّض ونؤول ونبدع ونترجم، ثم نُتهم والترجمة بالخيانة؟ بهذا السؤال توجز رأيها منصورة عبد العزيز- مدرّبة فلسفة الترجمة في المعهد العالي للترجمة. وتذهب في توصيف مكانة المترجم بأكثر من طبيب! وتفسّر قائلة: «لا يمكن للمترجم أن يقوم بترجمة كتاب أو حتى نص شعري، إن لم يكن في الأصل محباً للشعر، لا أقول «شاعراً» بل متذوقاً له، لأن الحب يدفعه دفعاً إلى الترجمة. فيحاول بدايةً مع قراءة النص، التأمل فيه لفهمه جيداً، مع تحريض لذاكرته الثقافية ومخزونه المعرفي العام، لأنهما يفيدانه في عملية التأويل، أي تفسير ما يريد الكاتب أو الشاعر قوله والتعبير عنه. كي يبدع المترجم بعد مروره بهذه المراحل وهضمها، ويقدّم لنا ترجمة أراد الكاتب أن تكون مرآة عاكسة له بكلِه».
وتسترسل عبد العزيز لتصل إلى تحديد مقدرات وامتيازات المترجم «عملية فهم إحساس وروح كاتب النص الأصلي، تليها عملية نقل وإفهام وإيصال إلى القارئ. فإذا كان لدينا إنسان يتمتع بالفهم والتفكير والتأويل والإبداع والترجمة، وترجم لمثيلٍ له في مقدرات الفهم والفكر والكتابة والإبداع والإحساس. فالمترجم هنا إذاً يمتلك الوفاء للترجمة وفلسفتها. ولديه امتيازات ومقدرات عن شخصين، هو والكاتب الأصل». (1)
أركان الترجمة
يرى الدكتور عدنان عزوز عميد كلية الآداب في جامعة قاسيون، أستاذ الأدب والترجمة في قسم اللغة الإنجليزية، ضرورة توفر أركان وركائز ومهارات عدة لدى المترجم، لكيلا توصف ترجمته بـ "الخيانة"، ولكيلا يوصف هو بأنه "خان" النص الأصلي:
الركن الأول: ضرورة الإلمام بثقافة اللغة التي ينقل منها، حيث هناك الكثير من العادات والأعراف التي تبدو محرمة في مجتمعاتهم، بينما تعتبر محمودة أو عادية في مجتمع آخر؛ ومن هنا تكمن أهمية دراسة الحضارة والثقافة.
الركن الثاني: ضرورة تمتع المترجم بخلفية ثقافية جيدة حول النص موضوع الترجمة، وهذا سيجعله متمرسا في ترجمة هذا النوع من النصوص، كما أنه لا بأس بوضع الحواشي التعريفية التي تشرح للقارئ بعض المصطلحات الجديدة والغير رائجة، وما يقصده الكاتب منها.
الركن الثالث: عدم التدخل الشخصي في النص، من خلال إقحام أفكار المترجم فيه، وإضفاء بعض القيم الأخلاقية عليه، حيث أن النص هو مسؤولية الكاتب في المقام الأول، ولا يُسأل المترجم عنه، فهو وحده من يتحمل وزر الأفكار الواردة فيه، سواء كانت مقبولة أخلاقيا أو اجتماعيا أو دينيا أم غير مقبولة.
ولذلك فإن المترجم الذي أخذ على عاتقه ترجمة نص معين، فإنه يجب عليه أن يكون أمينًا في النقل والترجمة، بل وأمينا كذلك في صياغة فكر الكاتب الأصلي، وتوصيلها للمتلقي، على النحو الذي أراده كاتب النص.
هوامش:
(1) جريدة الاتحاد الإماراتية