التفريخ في مجال الترجمة

التفريخ في مجال الترجمة

 

في الآونة الأخيرة، يشتكي الكثيرُ من أصحاب الأعمال في مجال الترجمة من قضية التفريخ "حسب تعبير البعض منهم". والمقصود بالتفريخ هو توظيف حديثي التخرج من خريجي الكليات التي تؤهل للعمل في مجال الترجمة، وبعد بضعة شهورٍ قليلةٍ يتسرب هؤلاء الموظفون من العمل للالتحاق بشركاتٍ أكبر أو تعطي عائدًا أعلى، أو حتى لمجرد التغيير. ويطلق أصحاب أعمال الترجمة على هذه العملية مصطلح "التفريخ" استرشادًا بعمليةٍ مماثلةٍ تحدث في الصناعات الداجنة.

ويترتب على حدوث ذلك ضررٌ لكل من الموظف والشركة. فبالنسبة للموظف وخاصةً العاملين في مجال الترجمة، فإنه من الصعب - بل والصعب جدًا - أن يحصل على الخبرة اللازمة في مجال متشعب وعميق لهذه الدرجة في بضعة شهور أو حتى على مدار سنةٍ كاملةٍ. قد يتخيل المترجم عندها أنه أصبح مُلمًّا وخبير بجوانب العمل في المجال ولديه الكفاءة والمهارة للعمل في شركاتٍ أخرى أكبر أو شركاتٍ تُعطي مقابلًا أعلى ولكنه يكون مخطئًا في الكثير من الأحوال. والأسوأُ من ذلك كله، أن يتخيل المترجم أنه قادر على الاعتماد على نفسه للعمل من المنزل بطريقة "العمل الحر/الفري لانس" التي أصبح يفضلها الكثيرون كطريقةٍ بديلةٍ عن النزول إلى الشارع وتكبد العناء والجهد والمال للوصول إلى مكان العمل. وتكون هذه هي المشكلة الكبرى التي لا يعرف المترجم ضررها إلا بعد فترة - تقل أو تزيد - حسب سرعة فهمه للمشكلة.

فالمترجم في هذه الفترة يكون في مرحلة "عنق الزجاجة" التي إما تعطيه الفرصة للانطلاق أو العمل في مجالٍ آخر إذا لم ينجح في العمل في مجال الترجمة. وعند اعتماد المترجم على نفسه، فإنه يخسر الكثير من الوقت والمعرفة التي كانت محتلمة في حالة عمله مع فريق عمل خبير أو في شركةٍ تقدم خدماتٍ عاليةِ الجودة تفرض أسلوبها وطريقتها وآليتها الخاصة لعملائها. وفي الحالات الأخرى التي ينتقل فيها المترجم للعمل في شركةٍ أخرى، فإنه يظل ينتقل من شركة إلى أخرى ليجد لكل شركة أسلوبها وطريقتها، وما إن يتعود على أسلوبٍ معين، حتى يجد آخر، سواءً من حيث طريقة العمل أو النظام أو التعامل على المستوى الفردي والإداري؛ بما يجعله موضعَ تشتت دائم يفقده التركيز الذي يؤثر بدوره على تقدم مستواه وأداؤه العام.

أما بالنسبة للشركات، فإن الخسارة تتمثل في الوقت والمال الذي يتم تقديمه للموظف الجديد وخاصةً أن هذه الفترة تكون فيها استفادة الشركة ضعيفةٌ للغاية لحداثة عهد المترجم بالعمل في المجال. فتتحمل الشركة بعض الوقت والنفقات لتجهيز الأدوات وتدريب المترجم وتعليمه وتزويده بالإرشادات والتدريب لتأهيله للاستفادة منه، وعندما يأتي الوقت للاستفادة الحقيقة، يترك المترجم العمل للالتحاق بعملٍ جديدٍ أو للعمل على أساس "فري لانس".

والخلاصةُ أن الخسارة مشتركة بالنسبة للمترجم وبالنسبة للشركة. لذا نوصى المترجم بالتريث والتمهل والمثابرة على التعلم والصبر على ضعف الدخل في البداية حتى يستطيع اكتساب المعرفة والمهارة والخبرة الحقيقة في المجال. وفي المقابل، على الشركات كذلك مراعاة تقديم حزم رواتب مناسبة للموظفين تكون مرنةً وقابلة للزيادة وتربط الدخل بالإنتاج والتقدم وسرعة التعلم وعدم اعتماد الطرق التقليدية والبيروقراطية وذلك للحفاظ على الموظفين وتحفزيهم وتشجيعهم وتوفير بيئة العمل المناسبة لهم حتى يحصل كل طرف على مصلحته ومبتغاه.