هل أنت مترجمٌ متخصصٌ؟ ولم لا؟
في مقالنا السابق بعنوان عشر مبادئ لتصبح مترجمًا محترفًا قادرًا على المنافسة، أشرنا إلى أهمية مبدأ التخصص للمترجم، وأنه أحد طرق الاحتراف في الترجمة.
وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤالٌ هامٌ: ألا يجدر بالمترجم الذي يترجم اليوم تقريرًا طبيًا وغدًا نصًا قانونيًا، وبعده نصًا علميًا أو أدبيًا، أن يكون ملمًا بالموضوع والنص الذي يشتغل به، فضلًا عن إجادة اللغتين التي يترجم منها وإليها؟ لماذا على المترجم أن يقبل كافة النصوص التي تأتي إليه، دون أن يفرز منها ما يناسب تخصصه وميوله؟
لماذا أتخصص؟
ألا ترى ياصديقي أن الله قد خلق كل إنسانٍ وله تخصصه، انظر حولك إلى الأطباء مثلًا، فستجد طبيبًا للقلب، وهذا للكبد، وآخر للعظام، وكذا المهندسون أيضًا، سوف تجد أن هذا مهندسٌ مدنيٌ، وذاك معماري وغير ذلك. لماذا عليك أن تعمل في كافة أنواع الترجمات؟ أنت أيضًا بحاجة إلى التخصص في مجالٍ أو أكثر تجد نفسك فيه.
ما الفائدة؟
يعتقد البعض أن تقليص مجالات عمل المترجم قد يؤثر عليه سلبيًا، حيث يسلبه الكثير من العملاء إن تخصص في مجال وترك آخر، وهذا غيرُ صحيحٍ إطلاقًا، إذ أن الزبائن نفسها تفضل صاحب المجال المتخصص، وتثق فيه أكثر من غيره. هل رأيت يومًا ما مريضًا بالقلب يذهب إلى طبيبٍ بدرجة "ممارس عام" تخرج حديثًا لم يتخصص بعد؟ أو إلى طبيب عظام مثلًا؟ هذا لايحدث. هكذا الناس في دنيا الترجمة يبحثون عن صاحب التخصص.
وبالمناسبة، فأنا لا أدعو هنا إلى ترك كافة النصوص وقبول نصٍ بعينه، بل على العكس من ذلك يجب على المترجم أن يكون منفتحًا على القراءة والمجالات الأخرى وأن يكون متميزًا في مجالٍ معينٍ عن بقية المترجمين، وبه يُعرف.
اقرأ أيضا: متى يكون المترجم جاهزًا للعمل من المنزل؟
فأولى الثمار التي يجنيها المترجم من تخصصه، هو كسبُ ثقةِ المزيد من العملاء، والترويج لنفسه والتميز عن غيره بشكلٍ واضحٍ وجلي.
ثانيًا التخصص يجعل لمشروعاتك المُنجَزة قيمةً عاليةً في المستقبل، ولأضرب لك مثلًا بسيطًا: هب أنك تخصصت في مجال الترجمة القانونية مثلًا، وأنجزت 100 أو 200 مشروع في المجال القانوني، ألا يكون ذلك نقطةً مضيئةً ومَزيّةً لك عن غيرك في تاريخك المهني وفي سيرتك الذاتية عند التقدم لمشروعات أو التعاون مع شركات ومكاتب جديدة؟
ثالثًا التخصص يوفر عليك الوقت ويجعل من تحديد قراءاتك واهتماماتك أمراً سهلًا في عصر السيولة المعرفية والمعلوماتية الكبيرة، فالكثير من المترجمين يقضون الوقت في البحثِ أكثر من الوقت الذي يقضونه في الترجمة. فأنت بالتخصص –ومع مرور الوقت- ستجد أنك اكتسبت كمّا معرفيًا هائلًا في مجال تخصصك، وسيكون لديك ذاكرةً ترجميةً قويةً وحاضرةً عن تلك الذاكرة العامة الفوضوية، وكلما كبرت ذاكرة المترجم اللغوية والترجمية، خاصةً في مجالٍ معينٍ، كان إنجاز المشروعات بالنسبة له أيسر وأسرع من غيره، فالتخصص يوفر لك الوقت والجهد.
وأخيرًا وليس آخرًا، فالتخصص يجعل من أخطاء المترجم أمرًا نادرًا قلّما يحدث، ويجعل منه مبدعًا ومميزًا.
كيف أتخصص وأي مجال أختار؟
حسنًا! ، إن كانت تلك الأسباب التي ذكرت قد ساهمت في إقناعك، فإليك السبيل إلى ذلك من خلال بعض النصائح المهمة:
انظر في حال نفسك حين يأتيك نصٌ تراه صعبًا بل وفي بعض الأحيان معقدًا، وتتوجس منه خيفةً في أن يخرج على غير ما تريد من حيث الجودة والدقة، وانظر كذلك عند تسلمك لمشروعٍ أو نصٍ تبتهج به أساريرك، وترى أنك تميل لهذا النوع من النصوص عن غيره، فهذا أول الطريق بالنسبة لك.
لا أحد يستطيع أن يعطيك إجابةً محددةً، فأنت أعرف الناس بنفسك وبما تميل إليه وترغب في التخصص فيه.
كذلك كن مرناً قدر المستطاع، وغير من تخصصك إن رأيت ذلك مُجْدِيًا بالنسبة لك، وإن كنت ترى من نفسك القدرة على الجمع بين أكثرَ من تخصصٍ فلا بأس.
ابدأ في الترويج لنفسك على أنك مترجمٌ متخصصٌ في مجال كذا، وعرف الناس بما تقوم به.